قبل أن يسبقَ السيفُ العذلْ - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


قبل أن يسبقَ السيفُ العذلْ
وهيب أيوب - 12\10\2008

"أن نعرف الآخرين هو الذكاء، أن نعرف ذواتنا هي الحكمة. أن ننتصر على الآخرين هي القوة، أن ننتصر على أنفسنا هي القدرة. أن نكتفي هو الغنى الحقيقي، أن نسيطر على أنفسنا هي الإرادة الحقيقية". (لاوتسي)

مع احترامي وتقديري للمُجتمعين من وجهاء قريتي بقعاثا ومسعدة، فإن النتائج والتوصيات التي خرجوا بها لحل أسباب الاشتباكات المؤسِفة التي جرت في ثانوية مسعدة، لن تؤدي إلى حل الأمور، فهي محاولة لتجاهل الحقيقة (عن حُسن نيّة) كونها بمثابة حبة أسبرين لمريض القلب.
وهنا وَجَبَ تشخيص المرض وطرح الأمور كما هي دون مواربة أو احتيال على الحقيقة حتى يسهل معالجتها، أو على الأقل البدء فيها.
إن حقيقة مصادر العنف في مجتمعنا، تكمن أساسا في تربيتنا قبل كل شيء، من البيت إلى المدرسة والنادي والمؤسسة والشارع. فالذي جرى في ثانوية مسعدة ليس الحادث الأول من نوعه في الجولان ولن يكون الأخير؛ ما لم نعترف بحقيقة مسؤوليتنا عن التحريض الأرعن المستمر منذ سنوات طويلة والذي مورِس بشكلٍ خاص ضد "البقاعثي" كما يحلو للبعض تسميتهم، وأن ندعو الجميع للتوقّف عن هذا الأسلوب غير الحضاري، والذي قد يؤدي مُستقبلاً إلى كوارث لن نستطيع تفاديها. وها هم أبناؤنا يحصدون اليوم بعض نتائجها المؤسفة.
وسأسمح لنفسي بالقول (عن خبرة وتجربة) إن حجم المسؤولية في هذا التحريض والتقليل من شأن إخواننا في بقعاثا في ترويج كلام لا يليق، تتحملها مجدل شمس بشكلٍ خاص، الكبار فيهم قبل الشبّان والصغار، والمجدل هي المصدّر الأساسي لباقي القرى لهذا التحريض المُسفّ، ولتصيب عدواهم القرى الأخرى وخاصة قرية مسعدة، وهؤلاء "المجَادِلة والمصابون بعدواهم" يدّعون دائماً أنهم أكثر تحضّراً وتطوّراً من سواهم وأرجح عقلاً!
ثم لا يقصّر الأخوة في بقعاثا على المقلب الآخر، من ردودهم على هجاء الآخرين لهم، واستخدامهم لأقذع الألفاظ دفاعاً عن أنفسهم. وهكذا... حتى باتت المسألة تشبه منازلات جرير والفرزدق في القدح والذّم والهِجاء، ثم لتتحوّل بعدها إلى داحِس والغبراء.
إذا كان بعضكم لا يطيق العيش والتعايش مع أبناء جلدته ومنطقته في قرية مجاورة، فكيف تدّعون الانتماء لوطنكم وشعبكم الأكثر تعدّداً واتساعاً؟!
إن أساليب التحريض والتعبئة الجاهلة التي انتهجها الكثيرون من أهلنا، ثم انتقل إلى أجيالنا الشابة، إضافة ويا للأسف، إلى بعض الأكاديميين والمعلّمين وخرّيجي الجامعات ومدعي الثقافة المتحضّرين! هو السبب الرئيسي في كل العراك الذي حدث ويحدث، وقد يتجدّد، سواء في الملاعب أو الشوارع أو المدارس.
لا يمكن تغيير سلوك الإنسان إذا لم يغيّر أفكاره التي انطلق منها في سلوكه السابق.
من هنا أدعو الجميع في كل قرى الجولان، أن يقفوا وقفة تأمُّلٍ ومراجعة واعتذار، عن كل الممارسات السابقة والإساءات التي ارتُكِبت في حقِّ بعضنا البعض، وليتحمل كُلٌ منا مسؤوليته بإصلاح ما أمكن إصلاحه، من خلال التخلّي عن أفكارنا السابقة التي أساءت وتُسيء لنا جميعاً ولأجيالنا القادمة. ولنتبنّى منحى آخر لمحو آثار ما سبق، تدريجياً على الأقل، وهذا أمرٌ لا يفعله إلاّ الكرماء النُجباء الشجعان، فهل نحن منهم؟؟
هذا طبعاً جانب من أسباب العنف في مجتمعنا وبين قرانا، لكن مجمل أسباب ظاهرة العنف والتخريب والانفلات الذي نراه، له أسباب عِدّة تستحق مقالاً خاصّاً بها.
إلاّ أننا اليوم بصدد أحداثٍ خطيرة، يجب معالجتها مبدئياً بشكلٍ سريع بالمصالحة وتهدئة الخواطر، ولكن حلّها على المدى البعيد لا يكون إلاّ بمعالجة الأسباب الحقيقية لها والتي ذكرتها سابقاً.
قبل أن تأتينا الأيام القادمة بما هو أمرّ وأدهى وأسوأ... وقبل أن يسبقَ السيفُ العذلْ.

waheeb_ayoub@hotmail.com